القراءة مفتاح المعرفة، وبغضّ النظر عن طبيعة المقروء، فإن كل قراءة تضيف إلى القارئ شيئًا، وعليه فإن الإنسان مسؤول عن انتقاء المواد التي يقرؤها، وقديمًا قالوا إن اختيار الرجل قطعة من عقله. وكل ما يقرؤه الإنسان لا بد أن يجد له مكانًا في ذاكرته ووجدانه، كما يعمل على تشكيل ملامحه الداخلية النفسية والفكرية دون أن يشعر بذلك، لذلك لا بد من أن يحسن المرء اختيار مقروئه، كما يجب على التربويين وأولياء الأمور أن يحسنوا اختيار المواد التي يقرؤها الصغار والناشئة لما لها من أثر كبير عليهم في المستقبل، على المستوى الشخصي، وعلى المستوى المجتمعي أيضًا.
ومع كل ما قيل وما يُقال عن أهمية القراءة إلا أننا نفاجأ بعدد كبير من الناس الذين لا يقرؤون. وقولي "لا يقرؤون" هنا ليس من قبيل المبالغة، إنما هو عين الحقيقة، إذ ذكر لي أحدهم أنه لم يقرأ في حياته كتابًا غير الكتب المدرسية التي كان مضطرًا إلى قراءتها أحيانًا لينتهي من عذاب الدراسة الذي ما كان والده سيسمح له بالخلاص منه إلا بالتخرج والحصول على الشهادة الجامعية. وهذه حالة واحدة لكنها تمثل حالات أخرى كثيرة موجودة في مجتمعنا.
وبالإضافة إلى وجود عدد كبير ممن لا يقرؤون فإنه يوجد عدد ربما أكبر ممن يعطلون ويثبطون من عزيمة من يجد في نفسه رغبة حقيقية في القراءة، إذ يكفي أن يمسك أحدنا كتابًا في مكان يوجد فيه غيره حتى إن كانوا من أفراد أسرته أو أصدقائه ليسمع عدة أصوات تدعوه إلى أن يلقي بالكتاب ليشاركهم الحديث، أو ليشاهد معهم التلفاز، أو ليخرج معهم للتنزه، ولا تخلو الدعوات من بعض الذم للقراءة وللكتب التي تضعف البصر، وتشغل الإنسان عمن حوله حين يندمج مع ما يقرأ.
كما ترتبط القراءة بالثقافة في عرف الكثيرين منّا، ونتيجة لهذا أصبح من المألوف أن نسمع من يستنكر أن يُسأل عن قراءاته لأنه ليس مثقفًا! وكأن الثقافة أصبحت حكرًا على فئة من الناس دون غيرها.
إن كل فرد في المجتمع مثقف، ولكن يوجد تفاوت في طبيعة الثقافة، ومستواها، ومستوى وعي الفرد بها وتوظيفه لها في المواقف والسياقات المختلفة التي تواجهه يوميًا. وليست القراءة سوى وسيلة من وسائل التثقيف الذاتي التي يقوم بها الفرد بنفسه دون طلب أو أمر. وكثيرًا ما تبوء محاولات الأمر المباشر بالقراءة بالفشل، لأنها إن لم تكن رغبة ذاتية وحاجة ملحّة يشعر المرء بضرورة الاستجابة لها فإنها لا تأتي بنتائج إيجابية إطلاقًا.
وأمام المغريات الكثيرة التي تحيط بنا في هذا العصر قد لا يجد كثير من أبنائنا فرصة لسماع صوت الحاجة الملحّة للقراءة، وينساقون خلف المتوافر والمتاح لهم من وسائل ترفيه وتزجية للوقت قد تخلو من العائد المعنوي الإيجابي عليهم في المستقبل، مما يستدعي توجيههم بطريقة جذابة غير منفرة نحو القراءة وتحبيبهم في فوائدها وإيجابياتها بعيدًا عن الوعظ المباشر.
ولكن القراءة ليست مصدر تثقيف إيجابي دائمًا؛ فقد تكون إيجابية، وقد تكون سلبية، وقد تكون مفرغة من القيمة. وتكون القراءة إيجابية حين يمضي القارئ ساعاته في قراءة مادة علمية معرفية موثوقة، أو في قراءة نص أدبي هادف، سواء كان ديوان شعر أو رواية أو مسرحية، أو غير ذلك.
كما قد تكون سلبية إذا كان القارئ يقرأ ما يعود عليه بالضرر كزعزعة بعض المعلومات الأساسية لديه -وذلك بالقراءة في كتاب غير موثوق يزوّد القارئ غير المتمكن من العلم الذي يقرأ فيه بمعلومات مغالطة- وتكثر مثل هذه الكتب في الدين أو التاريخ خصوصًا، أو كتعزيز القيم السلبية أو الشاذة كما في بعض النصوص الأدبية التي يمكن وصفها بأنها تجارية وربحية وتدّعي الانتساب إلى الأدب.
وتكون القراءة مفرغة من القيمة إذا كان المرء يقرأ في نص لا يعود عليه لا بنفع ولا بضرر، ويكون ضرره الأكبر حينها أن القارئ يضيع وقته فيما لا ينفعه، وأعتقد أن معظم من مارس القراءة في فترات صباه ومراهقته قد مرّت عليه نصوص تندرج في هذا القسم، كبعض القصص البوليسية التي لا يخرج المرء منها بفائدة حقيقية، وهي في الوقت نفسه ليست ذات أثر سلبي عليه.
ويمكن التركيز على الوجه الإيجابي للقراءة، مع ضرورة تجنب الوجهين الآخرين، ومحاولة جذب جمهور الناس نحوها حتى يزداد عدد الذين يجدون متعتهم في تناول كتابٍ، والجلوس في أحد الأركان القصية على شاطئ البحر أو في أحد المقاهي لتصفحّه وقراءته، تمامًا كما يجدون متعتهم في الجلوس أمام جهاز التلفاز، لساعات طويلة متواصلة، دون إحساس بالزمن، أو بمن حولهم، أو في الخروج من المنزل، لا لهدف سوى التنقل بالسيارات من شارع إلى آخر، والتجول في مركز تجاري بعد آخر، دون أن يكونوا في حاجة لشراء شيء محدد، أو في قضاء ساعات أمام جهاز من أجهزة اللعب الإلكترونية، أو أمام شاشات الحاسوب.
يجب أن نفكر في الكيفية التي يمكننا إعادة صياغة فكرة القراءة وفقها، وتقديمها للناس بشكل تدريجي بحيث لا يشعرون بأنها واجب جديد يُلقى على ظهورهم ليثقلها همًا جديدًا مضافًا إلى همومهم الموجودة سلفًا، إذ يجب ألا ترتبط القراءة بالواجب، ولا بفضاء مكاني واحد كالمكتبة مثلا، ومن الأفضل أن تصبح القراءة مرتبطة بفكرة المتنفَّس، أو المنفذ، للخروج من ضغوطات الحياة اليومية، ومن أعباء الوظيفة أو الدراسة، ومن روتين الحياة المتراكم والمحاصر لكل مظاهر التجديد والإصلاح
ومع كل ما قيل وما يُقال عن أهمية القراءة إلا أننا نفاجأ بعدد كبير من الناس الذين لا يقرؤون. وقولي "لا يقرؤون" هنا ليس من قبيل المبالغة، إنما هو عين الحقيقة، إذ ذكر لي أحدهم أنه لم يقرأ في حياته كتابًا غير الكتب المدرسية التي كان مضطرًا إلى قراءتها أحيانًا لينتهي من عذاب الدراسة الذي ما كان والده سيسمح له بالخلاص منه إلا بالتخرج والحصول على الشهادة الجامعية. وهذه حالة واحدة لكنها تمثل حالات أخرى كثيرة موجودة في مجتمعنا.
وبالإضافة إلى وجود عدد كبير ممن لا يقرؤون فإنه يوجد عدد ربما أكبر ممن يعطلون ويثبطون من عزيمة من يجد في نفسه رغبة حقيقية في القراءة، إذ يكفي أن يمسك أحدنا كتابًا في مكان يوجد فيه غيره حتى إن كانوا من أفراد أسرته أو أصدقائه ليسمع عدة أصوات تدعوه إلى أن يلقي بالكتاب ليشاركهم الحديث، أو ليشاهد معهم التلفاز، أو ليخرج معهم للتنزه، ولا تخلو الدعوات من بعض الذم للقراءة وللكتب التي تضعف البصر، وتشغل الإنسان عمن حوله حين يندمج مع ما يقرأ.
كما ترتبط القراءة بالثقافة في عرف الكثيرين منّا، ونتيجة لهذا أصبح من المألوف أن نسمع من يستنكر أن يُسأل عن قراءاته لأنه ليس مثقفًا! وكأن الثقافة أصبحت حكرًا على فئة من الناس دون غيرها.
إن كل فرد في المجتمع مثقف، ولكن يوجد تفاوت في طبيعة الثقافة، ومستواها، ومستوى وعي الفرد بها وتوظيفه لها في المواقف والسياقات المختلفة التي تواجهه يوميًا. وليست القراءة سوى وسيلة من وسائل التثقيف الذاتي التي يقوم بها الفرد بنفسه دون طلب أو أمر. وكثيرًا ما تبوء محاولات الأمر المباشر بالقراءة بالفشل، لأنها إن لم تكن رغبة ذاتية وحاجة ملحّة يشعر المرء بضرورة الاستجابة لها فإنها لا تأتي بنتائج إيجابية إطلاقًا.
وأمام المغريات الكثيرة التي تحيط بنا في هذا العصر قد لا يجد كثير من أبنائنا فرصة لسماع صوت الحاجة الملحّة للقراءة، وينساقون خلف المتوافر والمتاح لهم من وسائل ترفيه وتزجية للوقت قد تخلو من العائد المعنوي الإيجابي عليهم في المستقبل، مما يستدعي توجيههم بطريقة جذابة غير منفرة نحو القراءة وتحبيبهم في فوائدها وإيجابياتها بعيدًا عن الوعظ المباشر.
ولكن القراءة ليست مصدر تثقيف إيجابي دائمًا؛ فقد تكون إيجابية، وقد تكون سلبية، وقد تكون مفرغة من القيمة. وتكون القراءة إيجابية حين يمضي القارئ ساعاته في قراءة مادة علمية معرفية موثوقة، أو في قراءة نص أدبي هادف، سواء كان ديوان شعر أو رواية أو مسرحية، أو غير ذلك.
كما قد تكون سلبية إذا كان القارئ يقرأ ما يعود عليه بالضرر كزعزعة بعض المعلومات الأساسية لديه -وذلك بالقراءة في كتاب غير موثوق يزوّد القارئ غير المتمكن من العلم الذي يقرأ فيه بمعلومات مغالطة- وتكثر مثل هذه الكتب في الدين أو التاريخ خصوصًا، أو كتعزيز القيم السلبية أو الشاذة كما في بعض النصوص الأدبية التي يمكن وصفها بأنها تجارية وربحية وتدّعي الانتساب إلى الأدب.
وتكون القراءة مفرغة من القيمة إذا كان المرء يقرأ في نص لا يعود عليه لا بنفع ولا بضرر، ويكون ضرره الأكبر حينها أن القارئ يضيع وقته فيما لا ينفعه، وأعتقد أن معظم من مارس القراءة في فترات صباه ومراهقته قد مرّت عليه نصوص تندرج في هذا القسم، كبعض القصص البوليسية التي لا يخرج المرء منها بفائدة حقيقية، وهي في الوقت نفسه ليست ذات أثر سلبي عليه.
ويمكن التركيز على الوجه الإيجابي للقراءة، مع ضرورة تجنب الوجهين الآخرين، ومحاولة جذب جمهور الناس نحوها حتى يزداد عدد الذين يجدون متعتهم في تناول كتابٍ، والجلوس في أحد الأركان القصية على شاطئ البحر أو في أحد المقاهي لتصفحّه وقراءته، تمامًا كما يجدون متعتهم في الجلوس أمام جهاز التلفاز، لساعات طويلة متواصلة، دون إحساس بالزمن، أو بمن حولهم، أو في الخروج من المنزل، لا لهدف سوى التنقل بالسيارات من شارع إلى آخر، والتجول في مركز تجاري بعد آخر، دون أن يكونوا في حاجة لشراء شيء محدد، أو في قضاء ساعات أمام جهاز من أجهزة اللعب الإلكترونية، أو أمام شاشات الحاسوب.
يجب أن نفكر في الكيفية التي يمكننا إعادة صياغة فكرة القراءة وفقها، وتقديمها للناس بشكل تدريجي بحيث لا يشعرون بأنها واجب جديد يُلقى على ظهورهم ليثقلها همًا جديدًا مضافًا إلى همومهم الموجودة سلفًا، إذ يجب ألا ترتبط القراءة بالواجب، ولا بفضاء مكاني واحد كالمكتبة مثلا، ومن الأفضل أن تصبح القراءة مرتبطة بفكرة المتنفَّس، أو المنفذ، للخروج من ضغوطات الحياة اليومية، ومن أعباء الوظيفة أو الدراسة، ومن روتين الحياة المتراكم والمحاصر لكل مظاهر التجديد والإصلاح